responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 302
مِنْهُ ذَلِكَ، وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا كَانَ يَرُدُّ مُحْتَاجًا فَذَهَبَ مَعَهُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ فَرَحَّبَ بِهِ وَبَذَلَ الْمَالَ لِلْيَتِيمِ فَعَيَّرَهُ قُرَيْشٌ فَقَالُوا: صَبَوْتَ، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا صَبَوْتُ، لَكِنْ رَأَيْتُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَرْبَةً خِفْتُ إِنْ لَمْ أُجِبْهُ يَطْعَنْهَا فِيَّ،
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي مُنَافِقٍ جَمَعَ بَيْنَ الْبُخْلِ وَالْمُرَاءَاةِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ عَامٌّ لِكُلِّ مَنْ كَانَ مُكَذِّبًا بِيَوْمِ الدِّينِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ إِقْدَامَ الْإِنْسَانِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَإِحْجَامَهُ عَنِ الْمَحْظُورَاتِ إِنَّمَا يَكُونُ لِلرَّغْبَةِ فِي الثَّوَابِ وَالرَّهْبَةِ عَنِ الْعِقَابِ، فَإِذَا كَانَ مُنْكِرًا لِلْقِيَامَةِ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِنَ الْمُشْتَهَيَاتِ وَاللَّذَّاتِ، فَثَبَتَ أَنَّ إِنْكَارَ الْقِيَامَةِ كَالْأَصْلِ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي تَفْسِيرِ الدِّينِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْ يُكَذِّبُ بِنَفْسِ الدِّينِ وَالْإِسْلَامِ إِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ مُنْكِرًا لِلصَّانِعِ، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ مُنْكِرًا لِلنُّبُوَّةِ، أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ مُنْكِرًا لِلْمَعَادِ أَوْ لِشَيْءٍ مِنَ الشَّرَائِعِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ لِكُلِّ أَحَدٍ دِينٌ وَالْجَوَابُ: مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ الدِّينَ الْمُطْلَقَ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالْقُرْآنِ هُوَ الْإِسْلَامُ قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آلِ عِمْرَانَ: 19] أَمَّا سَائِرُ الْمَذَاهِبِ فَلَا تُسَمَّى دِينًا إِلَّا بِضَرْبٍ مِنَ التَّقْيِيدِ كَدِينِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَثَانِيهَا: أَنْ يُقَالَ: هَذِهِ الْمَقَالَاتُ الْبَاطِلَةُ لَيْسَتْ بِدِينٍ، لِأَنَّ الدِّينَ هُوَ الْخُضُوعُ لِلَّهِ وَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ إِنَّمَا هِيَ خُضُوعٌ لِلشَّهْوَةِ أَوْ لِلشُّبْهَةِ وَثَالِثُهَا: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الْمُرَادَ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ، قَالُوا: وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْلَى لِأَنَّ مَنْ يُنْكِرُ الْإِسْلَامَ قَدْ يَأْتِي بِالْأَفْعَالِ الْحَمِيدَةِ وَيَحْتَرِزُ عَنْ مَقَابِحِهَا إِذَا كَانَ مُقِرًّا بِالْقِيَامَةِ وَالْبَعْثِ، أَمَّا الْمُقْدِمُ عَلَى كُلِّ قَبِيحٍ مِنْ غَيْرِ مُبَالَاةٍ فَلَيْسَ هُوَ إِلَّا المنكر للبعث والقيامة. ثم قال تعالى:

[سورة الماعون (107) : الآيات 2 الى 3]
فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (3)
[قوله تعالى فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ] وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي تَعْرِيفِ مَنْ يكذب الدين وَصْفَيْنِ أَحَدُهُمَا: مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ وَهُوَ قَوْلُهُ: فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَالثَّانِي: مِنْ بَابِ التُّرُوكِ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَذلِكَ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ لَمَّا كَانَ كَافِرًا مُكَذِّبًا كَانَ كُفْرُهُ سَبَبًا لِدَعِّ الْيَتِيمِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا عَلَى مَعْنَى أَنَّ الصَّادِرَ عَمَّنْ يُكَذِّبُ بِالدِّينِ لَيْسَ إِلَّا ذَلِكَ، لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمُكَذِّبَ بِالدِّينِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى هَذَيْنِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ، كَأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْقِسْمَيْنِ مِثَالًا وَاحِدًا تَنْبِيهًا بِذِكْرِهِ عَلَى سَائِرِ الْقَبَائِحِ، أَوْ لِأَجْلِ أَنَّ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ، كَمَا أَنَّهُمَا قَبِيحَانِ مُنْكَرَانِ بِحَسَبِ الشَّرْعِ فَهُمَا أَيْضًا مُسْتَنْكَرَانِ بِحَسَبِ الْمُرُوءَةِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ، أَمَّا قَوْلُهُ:
يَدُعُّ الْيَتِيمَ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَدْفَعُهُ بِعُنْفٍ وَجَفْوَةٍ كَقَوْلِهِ: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا [الطُّورِ: 13] وَحَاصِلُ الْأَمْرِ فِي دَعِّ الْيَتِيمِ أُمُورٌ أَحَدُهَا: دَفْعُهُ/ عَنْ حَقِّهِ وَمَالِهِ بِالظُّلْمِ وَالثَّانِي: تَرْكُ الْمُوَاسَاةِ مَعَهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْمُوَاسَاةُ وَاجِبَةً. وَقَدْ يُذَمُّ الْمَرْءُ بِتَرْكِ النَّوَافِلِ لَا سِيَّمَا إِذَا أُسْنِدَ إِلَى النِّفَاقِ وَعَدَمِ الدِّينِ وَالثَّالِثُ: يَزْجُرُهُ وَيَضْرِبُهُ وَيَسْتَخِفُّ بِهِ، وَقُرِئَ (يَدَعُ) أَيْ يَتْرُكُهُ، وَلَا يَدْعُوهُ بِدَعْوَةٍ، أَيْ يَدْعُوا جَمِيعَ الْأَجَانِبِ وَيَتْرُكُ الْيَتِيمَ مَعَ
أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «مَا مِنْ مَائِدَةٍ أَعْظَمُ مِنْ مَائِدَةٍ عَلَيْهَا يَتِيمٌ»
وَقُرِئَ (يَدْعُو الْيَتِيمَ) أَيْ يَدْعُوهُ رِيَاءً ثُمَّ لَا يُطْعِمُهُ وَإِنَّمَا يَدْعُوهُ اسْتِخْدَامًا أَوْ قَهْرًا أَوِ اسْتِطَالَةً.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْلِهِ: يَدُعُّ بِالتَّشْدِيدِ فَائِدَةً، وَهِيَ أَنَّ يَدُعُّ بِالتَّشْدِيدِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَعْتَادُ ذَلِكَ فَلَا يتناول الوعيد

اسم الکتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير المؤلف : الرازي، فخر الدين    الجزء : 32  صفحة : 302
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست